ما حكم الدين فى موضوع تحديد النسل؟ وما هو الفارق بينه وبين تنظيم النسل؟ وما هو الأقرب للشرع؟ يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبدالله سمك: إن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية إيجاد النسل وبقاء النوع الإنسانى وحفظه، ولذلك شرع الزواج للتناسل وتحصين الزوجين من الوقوع فى الحرام، وحث الرسول صلوات الله وسلامه عليه على اختيار الزوجات المنجبات للأولاد . فقد روى الإمام أحمد عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول: (تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) وروى أبو داود والنسائى عن معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: (أنى أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد فأتزوجها قال لا، ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم) كما شرع ما يحفظ النسل من تحريم الزنا والإجهاض، ومنع النسل أو تحديده من الأعمال التى تنافى مقاصد النكاح . ولهذا لا تبيحه الشريعة إلا عند الضرورة وعند وجود عذر يقتضيه كالخوف على حياة الأم ونحوه، وليس من الأعذار وجود عذر يقتضيه كالخوف على حياة الأم ونحوه، وليس من الأعذار خوف الفقر وكثرة الأولاد أو تزايد السكان، لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بالرزق لكل كائن حى . حيث قال فى كتابه الكريم: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}... (الذاريات 22، 23). وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.. (هود : 6). وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}... (الإسراء : 31). ومن علم أن مال الله غاد ورائح، وأن مع العسر يسرا، وأن الغنى قد يصبح فقيرا معدوما والفقير المعدم قد يصبح غنيا وافر الغنى، لم يشك أن الغنى والفقر من العوارض التى تتبدل . ومن الأمانة أن نقول إن هناك أحاديث فى الصحيح وغيره تجيز العزل عن النساء، بمعنى أن يقذف الرجل ماءه خارج مكان التناسل من زوجته، بعد كمال اتصالهما جنسيا وقبل تمامه . من هذه الأحاديث ما رواه جابر قال (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) متفق عليه - وروى مسلم (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا) . وقد اختلف الفقهاء فى إباحة العزل - بذلك المعنى - كوسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهيته، وفى هذا يقول الإمام الغزالى فى كتاب إحياء علوم الدين فى آداب النكاح فى حكم العزل ما موجزه إن العلماء اختلفوا فى إباحة العزل وكراهيته على أربعة أقوال فمنهم من أباح العزل بكل حال، ومنهم من حرمه بكل حال، وقائل منهم أحل ذلك برضاء الزوجة، ولا يحل بدون رضائها، وآخر يقول إن العزل مباح فى الإماء (المملوكات) دون الحرائر (الزوجات) - ثم قال الغزالى إن الصحيح عندنا - يعنى مذهب الشافعى - أن ذلك مباح . ويكاد فقهاء المذاهب يتفقون على أن العزل - أى محاولة منع التقاء منى الزوج ببويضة الزوجة - مباح فى حالة اتفقا الزوجين على ذلك، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، والدليل على هذه الإباحة ما جاء فى كتب السنة من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعزلون عن نسائهم وجواريهم فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . وأن ذلك بلغه ولم ينه عنه، كما جاء فى رواية مسلم عن جابر . وإذ كان ذلك كانت إباحة تنظيم النسل أمرا لا تأباه نصوص السنة الشريفة قياسا على العزل الذى كان معمولا به وجائزا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء فى رواية الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر قال (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) كما جاء فى رواية الإمام البخارى فى صحيحه - والمقصود بتنظيم النسل بهذا المفهوم هو المباعدة بين فترات الحمل، محافظة على صحة الأم وحفظا لها من أضرار كثرة الحمل. أما وقف الصلاحية للإنجاب نهائيا، فإن ذلك أمر يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده فى المحافظة على أنسال الإنسان إلى ما شاء الله وقول الله سبحانه وتعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}... (الإسراء : 31)، لا يتنافى مع ما قال به جمهور فقهاء المسلمين من إباحة العزل عن الزوجة قصدا لتأخير الحمل، أو وقفه مؤقتا لعذر من الأعذار المقبولة شرعا - ذلك أن هذه الآية جاءت فى النهى عن قتل الأولاد، ومنع حدوث الحمل بمنع التلقيح الذى هو النواة الأولى فى تكوين الجنين لا يعد قتلا لأن الجنين لم يتكون بعد إذا ما تم العزل، ولم يلتق منى الزوج ببويضة الزوجة إذ لم يتخلقا ولم يمرا بمراحل التخلق التى جاءت - والله أعلم.